30 - 06 - 2024

وجهة نظري| ثورة لبنان المبهجة

وجهة نظري| ثورة لبنان المبهجة

ثورتهم مثل أرواحهم المبهجة.. ارتفعت أصوات المتظاهرين فى لبنان بالهتافات كانت أقرب للغناء.. تمرد ممزوج بالمرح، وتحدى مختلط بالفرح.. تبدو الوجوه مستبشرة.. لاينقطع عنها الابتسام.. تتراقص الأجساد على صوت أنغام الموسيقى التى تصدح بها ميادين التظاهر، تتلاقى الأيدى وتهتز الأكتاف بينما يؤدى الجميع رقصة الدبكة الشهيرة.

نتماهى مع المشهد اللبنانى المثير.. نتعايش مع تفاصيل حياة أشقائنا فى لبنان، نكتشف أن وراء تلك الوجوه الضاحكة قدر من الوجع يدمى القلوب وكم من الهموم والمشاكل يثقل الأرواح وحجم من المعاناة والألم يثير التعاطف بقدر ما يثيرغضبا ممن أوصلهم لتلك الحال.

تختفى الإبتسامات وتتحول الوجوه المرحة إلى غاضبة عندما تنطلق بكلماتها تكشف عن سر غضبتها وخروجها للميادين .

نهبوا أموالنا، هجروا شبابنا، عيشونا فى الظلام، كبلونا بالديون. فقر وبطالة وفساد.

صمد اللبنانيون كثيرا.. عقود من الصمت والصبر على حياة بائسة.. وأغرى صمتهم ساستهم فاندفعوا لفرض المزيد من الضرائب، لم يدركوا أن قرارهم الأخير بفرض ضريبة على المكالمات الصوتية عبر الإنترنت يمكن أن تشعل ثورة فى البلاد.. ظنوا أن صمت الشعب دليلا على الخنوع أو الرضا وربما الموت، فكان قرارهم أقرب للقشة التى قصمت ظهر البعير.

300 ليرة أى مايقل عن 20 سنتا أمريكيا تلك الضريبة التى تبدو تافهة حركت المياه الراكدة وحركت النفوس التى ظنوا أنها خامدة. خرج اللبنانيون يهتفون "ياللعار ياللعار دولتنا دولة تجار". الشعب يريد إسقاط النظام.

أربك مشهد المتظاهرين ساساتهم، فخرج كل منهم يعلن ولاءه للشعب محاولا امتصاص غضبه.

هرع رئيس الوزراء سعد الحريرى بتقديم ورقة إصلاحية تعد بخفض نفقات الوزراء الحاليين والسابقين بنسبة 50%، وتتبنى مشروع قانون لإعادة الأموال المنهوبة وتدعم القروض السكنية بمبلغ 1600 مليون ليرة وتقترح إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد وإلغاء وزارة الإعلام وتتعهد بالعمل على الحد من التهرب الضريبى.

لم يكتف الحريرى بوعوده وتعهداته فى ورقته الإصلاحية بل حاول اللعب على أوتار عقول المتظاهرين ودغدغة مشاعرهم بتأكيده أن تلك القرارات لاتحقق مطالبهم وأنه لن يطلب منهم التوقف عن التظاهر ولن يسمح بتهديدهم بل على العكس، فقال: على الدولة حمايتكم لانكم "البوصلة " لها، مافعلتموه كسر كل الحواجز وأهم حاجز تم كسره هو الولاء الطائفى الأعمى.

لم ينجح الحريرى فى إقناع المتظاهرين وبدت وعوده فى نظر الشعب الثائر كاذبة.

فإذا كان حقا يدرك حجم المعاناة فلماذا لم يتحرك لتخفيفها.. وإذا كان يمتلك عصا سحرية لحل الأزمات، لماذا غض الطرف عنها حتى تفاقمت واستفحلت وباتت عصية على الحل.

فقد الحريرى ثقة شعبه فجاء الرد "كلن يعنى كلن" يطالبون برحيل كل الوجوه التى تسببت فى تردى أحوالهم وإفقارهم، ولايستثنون منهم أحدا.

توحد اللبنانيون بمختلف طوائفهم مطالبين كل قياداتهم بالرحيل، لم يعد يجدى معهم اللعب على وتر الطائفية بعدما أدرك الجميع أن بذور الفتنة لايجنى حصادها المر سوى الشعب المطحون، أما قادته فينعمون برغد العيش ولاتحركهم سوى مصالحهم حتى لو كان وقودها نيران الفتنة والطائفية والتشرذم.

قوة الغضبة دفعت الساسة لإبراء ساحتهم .. حاول كل منهم بطريقته كسب ود الشعب الثائر، لكن أحدا لم يستطع التنصل من المسئولية، الكل اعترف بالخطأ وإن كان لكل وسيلته للخروج من المساءلة وتجميل وجهه.

الحريرى بورقته الإصلاحية وسمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية الذى طالب الحكومة بتقديم استقالتها وتشكيل حكومة كفاءات.. مؤكدا أن حزبه عارض القرارات التى تمس وجع الناس!

أما وليد جنبلاط فوصف الحراك الشعبى بأنه مشروع ورفض ورقة الحريري الإصلاحية، كما رفض الاشتراك فى حكومة وحدة وطنية وأن وزراءه لن يكونوا  فى حكومة يكون جبران باسيل وزير جارجية لبنان أحد أعضائها.

"كلن يعنى كلن" جاء الرد الشعبى على كل المماحكات المصطنعة، لم يعد ينطلى على أحد تلك الكلمات حمالة الأوجه التى تخفى أكثر ماتبطن والتى تعد وعودا كاذبة ولاتعبا سوى بتحقيق مصالحها.

نزع البنانيون عباءة الطائفية وتوحدت كلمتهم فانكشفت كل الوجوه المتكسبة وراء إثارة النعرات الطائفية، لم يعد هناك بين خيار مسلم أو شيعى أو درزى أو مسيحى.. الكل يرفع علم لبنان والكل يطالب برحيل رموز النظام الفاسدة.

ربما ظن حسن نصر الله زعيم حزب الله أنه بمنأى عن تلك الحالة الثورية، ربما ظن أن رصيده كقائد للمقاومة التى نجحت فى دحر القوات الإسرائيلية وتحرير لبنان منها يكفيه لنيل ثقة سارية المفعول، غافلا أن رصيده الشعبى آخذ فى النفاذ، وأن تحفظات عديدة بدأت تصم تاريخه حتى باتت الثقة فيه ليس محل شك وإنما اصبحت منعدمة فلم يستثنيه الشعب الثائر من الرفض بل على العكس أكد على أنه واحد من هؤلاء الذى يتعين خروجهم من المشهد "كلن يعنى كلن، نصرالله واحد منن".

ومثلما فشل كل ساسة لبنان فشل نصر الله فى كسب ود اللبنانيين الغاضبين بل على العكس تماما جاء خطابه ليصب مزيدا من الزيت فوق الجرح المشتعل ألما.

صحيح أنه اعترف بتحمل الجميع المسئولية، وأنه متفهم لحراك الشعب وعفويتها وبرأ ساحة المتظاهرين من شبهة تلقى دعم من أى حزب أو جهة أو سفارة أجنبية كما اتهمهم البعض، لكنه فى نفس الوقت رفض استقالة الوزراة وإكتفى باستمرارها بروح جديدة ومنهجية جديدة.

لم يكتف نصر الله برفض المطلب الشعبى للمتظاهرين بل جاءت كلماته لتحمل تهديدا مبطنا، بعدما ألمح أن هناك من يطالب الحزب بالنزول للشارع ورد على هؤلاء الذين يعلقون آمالهم على ذلك بالقول:"النزول للشارع ليس قرارا سهلا وأنه سيأخذ البلاد لمسار مختلف، وهو ممكن أن يأتى وقته وإن شاء الله لايأتى وإذا جاء ستجدوننا جميعا فى الشارع وفى كل المناطق وبقوة نغير كل المعادلات".

تهديد نصر الله لم ينل من عزيمة الثائرين، مثلما لم تلين خطابات الحريرى وجنبلاط وميشيل عون وجعجع من صلابة موقفهم الرافض لكل تلك الوجوه التى حكم بإدانتها جميع وطالبها بالرحيل .كلن.

هل يصمد الشعب اللبنانى وتكتب لثورته النجاح أم أن نفوذ وسطوة قادته هى من يكون لها الغلبة فى النهاية؟هل يستمر الشعب بمختلف طوائفه على قلب رجل واحد، أم أن خيوط مؤامرة يمكن أن تتشابك بسرعة لتلعب على وتر التباين وتعيد الفتنة النائمة غير عابئة باللعنات التى تصب فوق رءوس من يشعلها؟

هل يستمر زخم الحراك الشعبى بكل قوة حتى يسقط النظام وهل ينجح بعد ذلك فى تثبيت دعائم نظام جديد يسعى لميلاد لبنان جديد ينعم أبناءه فيه بالعدل والحياة الكريمة؟

هل تنجح ثورة لبنان أم أن الفشل يتربص بها مثلما الحال فى معظم الثورات الشعبية النبيلة؟

قلوبنا مع اللبنانيبن ومن قلوبنا نقولها على طريقتهم"الله يعطيكم العافية".
--------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان